سورة الأحقاف - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحقاف)


        


{واذكر أَخَا عَادٍ} يعني هوداً. {إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بالأحقاف} جمع حقف وهو رمل مستطيل مرتفع فيه انحناء من احقوقف الشيء إذا اعوج، وكانوا يسكنون بين رمال مشرفة على البحر بالشحر من اليمن. {وَقَدْ خَلَتِ النذر} الرسل. {مّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} قبل هود وبعده والجملة حال أو اعتراض. {أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ الله} أي لا تعبدوا، أو بأن لا تعبدوا فإن النهي عن الشيء إنذار من مضرته. {إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} هائل بسبب شرككم.
{قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا} لتصرفنا. {عَنْ ءالِهَتِنَا} عن عبادتها. {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} من العذاب على الشرك. {إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} في وعدك. {قَالَ إِنَّمَا العلم عِندَ الله} لا علم لي بوقت عذابكم ولا مدخل لي فيه فأستعجل به، وإنما علمه عند الله فيأتيكم به في وقته المقدر له. {وَأُبَلّغُكُمْ مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ} إليكم وما على الرسول إلا البلاغ. {ولكنى أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} لا تعلمون أن الرسل بعثوا مبلغين منذرين لا معذبين مقترحين.
{فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً} سحاباً عرض في أفق السماء. {مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} متوجه أوديتهم، والإضافة فيه لفظية وكذا في قوله: {قَالُواْ هذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا} أي يأتينا بالمطر. {بَلْ هُوَ} أي قال هود عليه الصلاة والسلام {بَلْ هُوَ مَا استعجلتم بِهِ} من العذاب، وقرئ: {قل} {بل}: {رِيحٌ} هي ريح، ويجوز أن يكون بدل ما. {فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} صفتها وكذا قوله: {تُدَمّرُ} تهلك. {كُلَّ شَئ} من نفوسهم وأحوالهم. {بِأَمْرِ رَبّهَا} إذ لا توجد نابضة حركة ولا قابضة سكون إلا بمشيئته، وفي ذكر الأمر والرب وإضافة إلى الريح فوائد سبق ذكرها مراراً، وقرئ: {يدمر كل شيء} من دمر دماراً إذا هلك فيكون العائد محذوفاً أو الهاء في {رَبُّهَا}، ويحتمل أن يكون استئنافاً للدلالة على أن لكل ممكن فناء مقضياً لا يتقدم ولا يتأخر، وتكون الهاء لكل شيء فإنه بمعنى الأشياء {فَأْصْبَحُواْ لاَ تُرَى إِلاَّ مساكنهم} أي فجاءتهم الريح فدمرتهم فأصبحوا بحيث لو حضرت بلادهم لا ترى إلا مساكنهم، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي {لاَ يرى إِلاَّ مساكنهم} بالياء المضمومة ورفع المساكن. {كذلك نَجْزِي القوم المجرمين}. روي أن هوداً عليه السلام لما أحس بالريح اعتزل بالمؤمنين في الحظيرة وجاءت الريح فأمالت الأحقاف على الكفرة، وكانوا تحتها سبع ليال وثمانية أيام، ثم كشفت عنهم واحتملتهم تقذفتهم في البحر.
{وَلَقَدْ مكناهم فِيمَا إِن مكناكم فِيهِ} {إن} نافية وهي أحسن من ما هاهنا لأنها توجب التكرير لفظاً ولذلك قلبت ألفها هاء في مهما، أو شرطية محذوفة الجواب والتقدير، ولقد مكناهم في الذي أوفي شيء إن مكناكم فيه كان بغيكم أكثر، أو صلة كما في قوله:
يُرَجِّي المَرْءُ مَا إِنْ لاَ يَرَاه *** ويعرض دُونَ أدناهُ الخُطُوبُ
والأول أظهر وأوفق لقوله: {هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً} {كَانُواْ أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَءاثَاراً} {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وأبصارا وَأَفْئِدَةً} ليعرفوا تلك النعم ويستدلوا بها على مانحها تعالى ويواظبوا على شكرها. {فَمَا أغنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أبصارهم وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مّن شَئ} من الإِغناء وهو القليل. {إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللهِ} صلة {فَمَا أغنى} وهو ظرف جرى مجرى التعليل من حيث إن الحكم مرتب على ما أضيف إليه وكذلك حيث. {وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} من العذاب.
{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ} يا أهل مكة. {مّنَ القرى} كحجر ثمود وقرى قوم لوط. {وَصَرَّفْنَا الايات} بتكريرها. {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} عن كفرهم.


{فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ الذين اتخذوا مِن دُونِ الله قُرْبَاناً ءالِهَةَ} فهلا منعتهم من الهلاك آلهتهم الذين يتقربون بهم إلى الله تعالى حيث قالوا: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، وأول مفعولي {اتخذوا} الراجع إلى الموصول محذوف، وثانيهما {قُرْبَاناً} و{ءالِهَةً} بدل أو عطف بيان، أو {ءالِهَةً} و{قُرْبَاناً} حال أو مفعول له على أنه بمعنى التقرب. وقرئ: {قُربَاناً} بضم الراء. {بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ} غابوا عن نصرهم وامتنع أن يستمدوا بهم امتناع الاستمداد بالضال. {وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ} وذلك الاتخاذ الذي هذا أثره صرفهم عن الحق، وقرئ: {إِفْكِهِمْ} بالتشديد للمبالغة، و{آفكهم} أي جعلهم آفكين و{آفكهم} أي قولهم الآفك أي ذو الإِفك. {وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ}.
{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مّنَ الجن} أملناهم إليك والنفر دون العشرة وجمعه أنفار. {يَسْتَمِعُونَ القرءان} حَال محمولة على المعنى. {فَلَمَّا حَضَرُوهُ} أي القرآن أو الرسول. {قَالُواْ أَنصِتُواْ} قالُوا بعضهم لبعض اسكتوا لنسمعه. {فَلَمَّا قُضِىَ} أتم وفرغ من قراءته، وقرئ على بناء الفاعل وهو ضمير الرسول عليه الصلاة والسلام. {وَلَّوْاْ إلى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ} أي منذرين إياهم بما سمعوا. روي أنهم وافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي النخلة عند منصرفه من الطائف يقرأ في تهجده.
{قَالُواْ يَا قَوْمُنَا إِنَّا سَمِعْنَا كتابا أُنزِلَ مِن بَعْدِ موسى} قيل إنما قالوا ذلك لأنهم كانوا يهودا أو ما سمعوا بأمر عيسى عليه الصلاة والسلام. {مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِلَى الحق} من العقائد. {وإلى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ} من الشرائع.
{ياقومنا أَجِيبُواْ دَاعِىَ الله وَءامِنُواْ بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مّنْ ذُنُوبِكُمْ} بعض ذنوبكم، وهو ما يكون في خالص حق الله فإن المظالم لا تغفر بالإِيمان. {وَيُجِرْكُمْ مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} هو معد للكفار، واحتج أبو حنيفة رضي الله عنه باقتصارهم على المغفرة والإِجارة على أن لا ثواب لهم، والأظهر أنهم في توابع التكليف كبني آدم.
{وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِىَ الله فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِى الأرض} إذ لا ينجي منه مهرب. {وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} يمنعونه منه. {أُوْلَئِكَ فِى ضلال مُّبِينٍ} حيث أعرضوا عن إجابة من هذا شأنه.
{أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله الذى خَلَقَ السموات والأرض وَلَمْ يَعْىَ بِخَلْقِهِنَّ} ولم يتعب ولم يعجز، والمعنى أن قدرته واجبة لا تنقص ولا تنقطع بالإِيجاد أبد الأباد. {بِقَادِرٍ على أَن يُحْيِىِ الموتى} أي قادر، ويدل عليه قراءة يعقوب {يقدر}، والباء مزيدة لتأكيد النفي فإنه مشتمل على {أن} وما في حيزها ولذلك أجاب عنه بقوله: {بلى إِنَّهُ على كُلّ شَئ قَدِيرٍ} تقرير للقدرة على وجه عام يكون كالبرهان على المقصود، كأنه صَدَّرَ السورة بتحقيق المبدأ أراد ختمها بإثبات المعاد.
{وَيَوْمَ يُعْرَضُ الذين كَفَرُواْ عَلَى النار} منصوب بقول مضمر مقوله: {أَلَيْسَ هذا بالحق} والإِشارة إلى العذاب. {قَالُواْ بلى وَرَبّنَا قَالَ فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} بكفركم في الدنيا، ومعنى الأمر هو الإِهانة بهم والتوبيخ لهم.
{فاصبر كَمَا صَبَرَ أُوْلُو العزم مِنَ الرسل} أولو الثبات والجد منهم فإنك من جملتهم، و{مِنْ} للتبيين، وقيل للتبعيض، و{أُوْلُو العزم} منهم أصحاب الشرائع اجتهدوا في تأسيسها وتقريرها وصبروا على تحمل مشاقها ومعاداة الطاعنين فيها، ومشاهيرهم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى عليهم السلام. وقيل الصابرون على بلاء الله كنوح صبر على أذى قومه كانوا يضربونه حتى يغشى عليه، وإبراهيم على النار وذبح ولده والذبيح على الذبح، ويعقوب على فقد الولد والبصر، ويوسف على الجب والسجن، وأيوب على الضر، وموسى قال له قومه {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِىَ رَبّى سَيَهْدِينِ} وداود بكى على خطيئته أربعين سنة، وعيسى لم يضع لبنة على لبنة. {وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ} لكفار قريش بالعذاب فإنه نازل بهم في وقته لا محالة. {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مّن نَّهَارٍ} استقصروا من هوله مدة لبثهم في الدنيا حتى يحسبونها ساعة. {بَلاَغٌ} هذا الذي وعظتم به أو هذه السورة بلاغ أي كفاية، أو تبليغ من الرسول عليه الصلاة والسلام ويؤيده أنه قرئ: {بلغ}، وقيل: {بَلاَغٌ} مبتدأ خبره {لَهُمْ} و{مَا} بينهما اعتراض أي لهم وقت يبلغون إليه كأنهم إذا بلغوه ورأوا ما فيه استقصروا مدة عمرهم، وقرئ بالنصب أي بلغوا بلاغاً. {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القوم الفاسقون} الخارجون عن الاتعاظ أو الطاعة، وقرئ يهلك بفتح اللام وكسرها من هلك وهلك، ونهلك بالنون ونصب القوم. عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الأحقاف كتب له عشر حسنات بعدد كل رملة في الدنيا».

1 | 2